اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 559
بل يَحْكُمُ سبحانه يومئذ بحكمه المبرم بَيْنَهُمْ بمقتضى ما قد علم منهم وصدر عنهم وجرى عليهم وحاسبهم به ان خيرا فخير وان شرا فشر فَالَّذِينَ آمَنُوا على وجه الإخلاص والإخبات وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المترتبة على الايمان واليقين هم في النشأة الاخرى متمكنون فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دائمون فيها مقيمون لا يتحولون الى ما هو ادنى بل يترقون الى الأعلى حتى يفوزوا بشرف اللقيا واللقاء والبقاء
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بالله في النشأة الاولى وَكَذَّبُوا بِآياتِنا المنزلة على رسلنا لبيان توحيدنا فَأُولئِكَ الأشقياء المكذبون المردودون لَهُمْ في الآخرة عَذابٌ مُهِينٌ لإهانتهم أنبياء الله ورسله وما نزل عليهم من الآيات البينات والمعجزات القاطعات الساطعات.
ثم قال سبحانه وَالموحدون المخلصون الَّذِينَ هاجَرُوا وتركوا مضيق بقعة الإمكان سالكين فِي سَبِيلِ اللَّهِ طالبين الوصول الى فضاء الوجوب والفناء فيه ثُمَّ قُتِلُوا بأيدي الغفلة الكفرة الجهلة عن معرفة الله ووحدة ذاته واستقلاله في عموم التصرفات بل في الوجود ولوازم الحيوة مطلقا أَوْ ماتُوا بالموت الاضطراري حتف أنوفهم بعد ما قد خرجوا من الحيوة الصورية بالموت الإرادي والفناء المعنوىّ الحقيقي لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ المنعم المفضل عليهم رِزْقاً حَسَناً حقيقيا من لدنه تفضلا عليهم وامتنانا وكيف لا يرزقهم سبحانه مع انهم أولياؤه وهو سبحانه رازق لعموم أعدائه فكيف باوليائه وَبالجملة إِنَّ اللَّهَ المتجلى في الآفاق المتكفل بارزاق من عليها وما عليها لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ اى من عموم من ينسب إليهم الرزق صورة ومجازا إذ مرجع الكل اليه ومبدؤه منه وتوفيقهم بيده واقدارهم منه وتمكينهم عليه وهم ظله وفي حيطة حضرة علمه وحوزة قدرته وحومة اختياره وارادته وفعلهم حقيقة منسوب اليه مسند به لا فاعل له ولهم سواه وبعد ما قد رزقهم الله بالرزق المعنوي بدل ما جاهدوا في سبيله من تحمل الأذى والمشاق والمتاعب في القطع والانقطاع عن مألوفات بقعة الإمكان ومشتهيات نفوسهم وهوياتهم فيها سيما من اللذات البهية والشهوات الشهية البهيمية
لَيُدْخِلَنَّهُمْ سبحانه حسب فضله وسعة جوده مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ اى مسكنا ومقاما ترضى به ومنه نفوسهم بدل ما يتركون من البقاع العلية والديار المزينة البهية والقصور المشيدة المرتفعة الا وهي المكاشفات العلية والمشاهدات الواردة عليهم دائما من الاطلاع على سرائر الأسماء والصفات الإلهية والواردات الغيبية الفائضة عليهم من فضاء عالم اللاهوت حسب جود حضرة الرحموت وَإِنَّ اللَّهَ المدبر لأمور عباده لَعَلِيمٌ بمصالحهم وما يستدعيه استعداداتهم حَلِيمٌ يفعل بهم ما يرضى به قلوبهم ونفوسهم ويسع في قابلياتهم ومشاعرهم
ذلِكَ الأمر والشأن المذكور لمن هاجر الى الله طالبا لقياه مخلصا خالصا لوجهه الكريم ثم قال سبحانه على سبيل الوصاية والتنبيه وَمَنْ عاقَبَ ظالمه بعد ما غلب عليه وأراد ان ينتقم عنه بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ اى بمقدار ظلمه بلا زيادة عليه ونقصان ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ اى غلب الظالم على المظلوم المنتقم كرة اخرى ومرة بعد اولى وأراد أن يظلم عليه ثانيا لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ العزيز الغالب المنتقم للمظلوم في الكرة الثانية ايضا ما لم يتجاوز عن حد الانتقام ولا ينظر سبحانه حسب عدله الى اجترائه الى الانتقام وتركه ما هو الاولى حسب فضله الا وهو العفو عند المقدرة وكظم الغيظ لدى الفرصة إِنَّ اللَّهَ المطلع لمقتضيات استعدادات عباده لَعَفُوٌّ غَفُورٌ لما صدر عنهم من المبادرة الى الانتقام لدى القدرة
ذلِكَ النصر على من ظلم بِأَنَّ اللَّهَ اى بسبب ان الله المستوي على القسط القويم يُولِجُ ويدخل اللَّيْلَ المظلم اى اجزاءه فِي النَّهارِ
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 559